فصل: باب الخيار في بيع المأذون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب الرد بالعيب على المأذون:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ يَحْدُثُ مِثْلُهُ أَوْ لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَقَبِلَهَا الْعَبْدُ فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ إقَالَةٌ وَالْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ فَسْخًا كَانَ أَوْ بَيْعًا مُبْتَدَأً، وَكَذَلِكَ لَوْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِقَضَاءِ قَاضٍ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ أَوْ بِإِبَاءِ يَمِينٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ بِالْعَيْبِ فَهَذَا كُلُّهُ فَسْخٌ يَمْلِكُهُ الْمَأْذُونُ فَإِنْ رَدَّهَا وَأَخَذَ الثَّمَنَ، ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدْ كَانَ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْهُ الثَّمَنَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا؛ لِأَنَّ حَالَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ كَحَالِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْفَسْخِ عَلَى أَنْ تَعُودَ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَاضِي إنَّمَا قَضَى بِالْفَسْخِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِدَفْعِ الضَّرَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُلْحِقُ الضَّرَرَ بِالْبَائِعِ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي تَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِهَذَا؛ فَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنْ رَدَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ ذَلِكَ الْفَسْخُ وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فَبَقِيَ حَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا فَيَرْجِعُ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا الْعَبْدُ حَتَّى حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّهُ.
يُمَكِّنُهُ مِنْ رَدِّهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ بِالْمُشْتَرِي وَفِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَهُ إضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْفَسْخِ إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ تَعَيَّبَتْ عِنْدَهُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِعَيْبِهَا الَّذِي حَدَثَ عِنْدَ الْعَبْدِ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعَذُّرَ الرَّدِّ لِمُرَاعَاةِ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَرُبَّمَا يَكُونُ قَبُولُهَا مَعَ الْعَيْبِ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ أَخَذَهَا وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْعَبْدِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفَسْخَ قَدْ انْفَسَخَ بِرَدِّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْفَسْخِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِهِ حِينَ قَبِلَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ وَيُمْكِنُهُ مِنْ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَيْبُ الْآخَرُ جِنَايَةً مِنْ الْعَبْدِ أَوْ وَطِئَهَا؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى كَسْبِهِ لَا تُلْزِمُهُ أَرْشًا وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ كَالْمُسْتَوْفَى بِالْجِنَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ وَطِئَهَا فَوَجَبَ الْعُقْرُ أَوْ الْأَرْشُ رَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَكَمَا أَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ فَسْخَ الْعَقْدِ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَكَذَلِكَ حُدُوثُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ وَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الرُّجُوعِ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ أَوَّلًا بِالْعَيْبِ فَقَبَضَهَا الْعَبْدُ، ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِيَ قَدْ قَطَعَ يَدَهَا أَوْ وَطِئَهَا فَلَمْ يَرُدُّهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ حَتَّى حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْعَبْدِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشٌ وَلَا عُقْرٌ بِمَا فَعَلَهُ فِي مِلْكٍ صَحِيحٍ لَهُ فَهُوَ كَحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَقَدْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْعَبْدِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَعْطَى الْعَبْدَ جَمِيعَ الثَّمَنِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَى الْعَبْدِ نُقْصَانَ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَهُ مِنْ الثَّمَنِ يَعْنِي فِي الْجِنَايَةِ فِي الْوَطْءِ إذَا كَانَتْ بِكْرًا حَتَّى نَقَصَهَا الْوَطْءُ فِي مَالِيَّتِهَا فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ فَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ شَيْئًا لَمْ- يَرْجِعْ الْعَبْدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَلَمْ يَرُدَّ الْعَبْدُ الْجَارِيَةَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ هُوَ ثَمَرَةٌ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ اسْتِيفَاءَهُ لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانًا فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ وَالثَّمَنُ إنَّمَا يُقَابِلُ الْمَالِيَّةَ فَمَا لَا يَكُونُ مَالًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْعَبْدُ مِنْ الرُّجُوعِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهَا عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِوَطْءِ الْمُشْتَرِي إيَّاهَا قَبْلَ الرَّدِّ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا وَيَجْعَلَ ذَلِكَ كَالْخِيَارِ فَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِهِ بَعْدَ الرَّدِّ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَهُ قُلْنَا امْتِنَاعُ الرَّدِّ بِسَبَبِ الْوَطْءِ لَيْسَ لِعَيْنِ الْوَطْءِ بَلْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَلِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَسْخُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ حَتَّى لَوْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَدَّهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا ثَمَنَ بِمُقَابَلَةِ الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ وَطِئَهَا بَعْدَ مَا بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيٌّ قَطَعَ يَدَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَطِئَهَا فَوَجَبَ الْعُقْرُ، ثُمَّ رَدَّهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَبْدِ بِالْعَيْبِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ صُنْعَ الْأَجْنَبِيِّ، ثُمَّ حَدَثَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبٌ عِنْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى مَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْجَارِيَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ لِلزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ مِنْ الْعَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَعَهَا نُقْصَانُ الْعَيْبِ الَّذِي حَدَثَ عِنْدَ الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْعَبْدَ قَبَضَهَا بِحُكْمِ فَسْخٍ فَاسِدٍ وَالْمَقْبُوضُ بِفَسْخٍ فَاسِدٍ كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ بِجَمِيعِ أَوْصَافِهِ تَلِفَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَبْدُ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَدْ رَدَّهُ إلَيْهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ الْأَوَّلِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا بِالْعَيْبِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي حَدَثَ بِهَا عِنْدَ الْعَبْدِ مِنْ فِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ذَلِكَ النُّقْصَانَ مِنْ الْعَبْدِ وَرَجَعَ بِهِ الْعَبْدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ.
وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ اعْتِبَارًا لِلْمَقْبُوضِ بِفَسْخٍ فَاسِدٍ بِالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ إذَا جَنَى عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِي الْمُشْتَرِي فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ وَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي تَضْمِينِ النُّقْصَانِ الْجَانِيَ بِالْجِنَايَةِ أَوْ الْمُشْتَرِيَ بِالْقَبْضِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْبَائِعُ قَتَلَهَا أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ الْعَبْدِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْعَبْدِ قِيمَتَهَا وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ بِفَسْخٍ فَاسِدٍ وَجِنَايَةُ الْأَجْنَبِيِّ إنَّمَا صَادَفَتْ مِلْكَهُ لَا مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِأَخْذِ قِيمَتِهَا مِنْ الْبَائِعِ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهَا، ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ بِالْقِيمَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ اسْتِرْدَادَ الْأَصْلِ لَمْ يَتَعَذَّرْ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَرْقَ فِي الْمَقْبُوضِ بِحُكْمِ شِرَاءٍ فَاسِدٍ فَكَذَلِكَ الْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ فَسْخٍ فَاسِدٍ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَاعَهَا بَعْدَمَا قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ فَاسِدًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَبْضِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَقِيمَتُهَا كَاسْتِرْدَادِ عَيْنِهَا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْعَبْدِ بِنُقْصَانِ الْأَوَّلِ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا بِهَذَا الْعَيْبِ عَلَى الْبَائِعِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ أَوْ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِقَالَةِ فَهُوَ فَسْخٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَهَذَا الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.باب الخيار في بيع المأذون:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَالْمَأْذُونُ مِثْلُ الْحُرِّ فِي حُكْمِ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَحَاجَةُ الْعَبْدِ إلَيْهِ كَحَاجَةِ الْحُرِّ.
وَإِذَا بَاعَ الْمَأْذُونُ مَتَاعًا أَوْ اشْتَرَاهُ وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَنَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فِي الثَّلَاثَةِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجْرِ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ مِنْ الْعَبْدِ تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ فَالْمَوْلَى يَفْسَخُ هَذَا التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِحَجْرٍ عَلَيْهِ مِنْ إمْضَائِهِ بِالْإِجَازَةِ وَالْحَجْرُ الْخَاصُّ مَعَ قِيَامِ الْإِذْنِ الْعَامِ بَاطِلٌ كَمَا أَنَّ اسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٍ مِنْ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْإِذْنِ بَاطِلٌ وَإِنْ أَجَازَهُ جَازَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إتْمَامٌ لِتَصَرُّفِ الْعَبْدِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ مُتَصَرِّفٌ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ خَالِصُ مِلْكِ الْمَوْلَى فَيُعْمَلُ إجَازَةُ الْمَوْلَى كَمَا يُعْمَلُ إجَازَةُ الْمُوَكِّلِ لِتَفَرُّقِ الْوَكِيلِ مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ إجَازَةُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَسْبِهِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَهَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِتَصَرُّفِهِ تَصَرُّفُهُ لِغُرَمَائِهِ وَالْمَوْلَى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ؛ فَلِهَذَا لَا تُعْمَلُ إجَازَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْعَبْدِ أَوْ لِلْبَائِعِ مَعَ الْعَبْدِ فَنَقَضَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الْبَيْعَ بِحَضْرَةِ الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِأَنَّ النَّقْضَ تَصَرُّفٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ لَا فِي حُكْمِ الْعَقْدِ وَالْمَوْلَى فِي أَصْلِ السَّبَبِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فَسْخُ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ عَاقِدِهِ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ فَالْإِجَازَةُ تَصَرُّفٌ فِي الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ أَوْ التَّقْرِيرِ وَالْمَوْلَى فِي الْحُكْمِ لَيْسَ كَالْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ بَلْ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ النَّائِبِ عَنْهُ.
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَخَذَ الْمَوْلَى الْجَارِيَةَ فَبَاعَهَا.
أَوْ وَطِئَهَا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ بَعْدَ مَا أَخَذَهَا فَإِنْ كَانَ الْمَأْذُونُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهَذَا نَقْضٌ لِلْبَيْعِ وَالْجَارِيَةُ لِلْمَوْلَى وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ تِجَارَةِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ كَسْبَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى مَالِكٌ لِكَسْبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهَا مِنْهُ وَإِحْدَاثُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْهُ يُوجِبُ تَقْرِيرَ مِلْكِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ فَسْخُ ذَلِكَ الْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ حُرًّا مَالِكًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِهِ حُكْمًا فَكَذَلِكَ الْمَوْلَى إذَا فَعَلَهُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ حُكْمًا وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ الْمَوْلَى حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَضَهَا الْمَوْلَى، ثُمَّ قَالَ: قَدْ نَقَضْتُ الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبْضِ أَخْرَجَهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ فَنَقْضُهُ الْبَيْعَ فِيهَا لَا يَكُونُ حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ الْعَامَّ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي كَسْبِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَسْبًا لَهُ، وَلَوْ قَبَضَهَا وَلَمْ يَنْقُضْ الْبَيْعَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ جَازَ الْبَيْعُ وَالثَّمَنُ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ أَخْذِهَا لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ فَالْأَخْذُ قَدْ يَكُونُ لِلْحِفْظِ وَالنَّظَرِ فِيهَا هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ بِالْأَخْذِ تَمَّ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ وَتَمَلَّكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَكُونُ الثَّمَنُ لِلْعَبْدِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا فَنَقْضُ الْمَوْلَى الْبَيْعَ وَأَخْذُهُ الْجَارِيَةَ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ وَالْخِيَارُ فِيهَا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَمْنُوعٌ مِنْ أَخْذِهَا لِمَكَانِ الدَّيْنِ عَلَى الْعَبْدِ فَلَا يَخْرُجُ بِأَخْذِهِ إيَّاهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ كَسْبًا لِلْعَبْدِ فَيَكُونُ نَقْضُهُ لِلْبَيْعِ فِيهَا حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِمَوْلَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ الْمَوْلَى أَوْ الْعَبْدُ فَهُوَ نَقْضٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِمَوْلَاهُ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ الْمَوْلَى نَائِبًا عَنْهُ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ فَكَذَلِكَ لِمَوْلَاهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَازَ الْعَقْدَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ نَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَأَجَازَهُ الْعَبْدُ فَالسَّابِقُ مِنْهُمَا أَوْلَى نَقْضًا كَانَ أَوْ إجَازَةً؛ لِأَنَّ بِإِجَازَةِ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا يَتِمُّ الْبَيْعُ فَلَا يَنْفَرِدُ الْآخَرُ بِفَسْخِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِنَقْضِ أَحَدِهِمَا أَوَّلًا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَالْمَفْسُوخُ لَا تَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا فَالنَّقْضُ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ يُرَدُّ عَلَى الْإِجَازَةِ فَالْبَيْعُ التَّامُّ يُمْكِنُ نَقْضُهُ وَالْإِجَازَةُ لَا تُرَدُّ عَلَى النَّقْضِ فَالْبَيْعُ الْمَنْقُوضُ لَا تُمْكِنُ إجَازَتُهُ وَعِنْدَ الْمُعَارَضَةِ الْوَارِدُ يَتَرَجَّحُ عَلَى الْمَوْرُودِ عَلَيْهِ.
قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً بِعَبْدٍ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجَارِيَةِ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ عَتَقَتْ وَجَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ فِيهَا خِيَارُ الْمُشْتَرِي، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمْلِكُ تَنْفِيذَ الْعِتْقِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهَا وَلَكِنَّهُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ عَتَقَ، وَهُوَ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا بَاعَ وَمِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا جَازَ عِتْقُهُ فِيهَا أَيْضًا وَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ بِاعْتِبَارِ نُفُوذِ عِتْقِهِ فِيمَا بَاعَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهَا لَمَّا نَفَذَ عِتْقُهُ فِيهَا وَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فَعَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا وَمَقْصُودُهُ مِنْ هَذَا الِاسْتِشْهَادِ بَيَانُ أَنَّ النَّقْضَ أَوْلَى مِنْ الْإِجَازَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْبُيُوعِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِمَوْلَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَنَقَضَهُ الْعَبْدُ وَأَجَازَهُ الْمَوْلَى مَعًا فَالنَّقْضُ أَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَقَدْ رَآهَا مَوْلَاهُ وَلَمْ يَرَهَا الْعَبْدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَلِلْعَبْدِ الْخِيَارُ إذَا رَآهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِي وَالشَّرْعُ إنَّمَا أَثْبَتَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لِلْمُشْتَرِي وَالْعَبْدُ فِي أَصْلِ التَّسَبُّبِ مُبَاشِرٌ لِنَفْسِهِ كَالْحُرِّ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَنْبَنِي عَلَى السَّبَبِ، ثُمَّ رُؤْيَةُ الْمَوْلَى لَا تَكُونُ دَلِيلَ الرِّضَا مِنْهُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ يَشْتَرِيهَا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ رَآهَا قَبْلَ الشِّرَاءِ وَلَمْ يَرَهَا الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّهَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي الشِّرَاءِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتُهُ قَبْلَ الْعَقْدِ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ بِهَا وَالْفَسْخُ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ حَجْرًا خَاصًّا فِي إذْنٍ عَامٍّ، وَلَوْ لَمْ يَرَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ رَأَيَاهَا فَالْخِيَارُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِ وَالْعَبْدُ فِي أَصْلِ السَّبَبِ مُتَصَرِّفٌ لِنَفْسِهِ فَإِنْ رَضِيَهَا الْمَوْلَى جَازَتْ عَلَى الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الرِّضَا تَقْرِيرٌ بِحُكْمِ السَّبَبِ وَالْعَبْدُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْحُكْمِ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَرِضَا الْمَوْلَى بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ أَجْنَبِيٌّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ نَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْبَائِعِ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ مِنْهُ حَجْرٌ خَاصٌّ فِي إذْنٍ عَامٍّ، وَلَوْ رَضِيَهَا الْمَوْلَى وَرَدَّهَا الْعَبْدُ مَعًا كَانَ رَدُّ الْعَبْدِ أَوْلَى؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّقْضَ يُرَدُّ عَلَى الْإِجَازَةِ وَالْإِجَازَةُ لَا تُرَدُّ عَلَى النَّقْضِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا فَالْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الرَّادَّ يَنْفَرِدُ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَدَّ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بِهِ دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ رَضِيَهَا الْمَوْلَى وَعَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَرِضَاهُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ سِوَى ثَمَنِهَا جَازَ رِضَا الْمَوْلَى عَلَيْهِ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ نَقَضَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ فَنَقْضُهُ بَاطِلٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ.
قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّ رَجُلًا لَوْ اشْتَرَى لِرَجُلٍ جَارِيَةً بِأَمْرِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْوَكِيلُ حَتَّى وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَرَضِيَهُمَا الْآمِرُ جَازَ وَإِنْ نَقَضَ الْآمِرُ الْبَيْعَ لَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْحَرْفِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ الرِّضَا تَصَرُّفٌ فِي الْحُكْمِ وَحُكْمُ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ وَالنَّقْضُ تَصَرُّفٌ فِي السَّبَبِ وَالْوَكِيلُ أَصْلٌ فِي السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُ الْمُوَكِّلِ فِيهِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَأْذُونِ مَعَ مَوْلَاهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَتَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى قَتَلَتْ إحْدَاهُمَا صَاحِبَتَهَا فَالْعَبْدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ نَقَضَ الْبَيْعَ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا مَوْتًا أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الدَّابَّتَيْنِ فَهُنَاكَ سَوَاءٌ قَتَلَتْ أُخْتُهُمَا صَاحِبَتَهَا أَوْ مَاتَتْ أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَرْقَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ هَدَرٌ شَرْعًا فَاَلَّتِي هَلَكَتْ فَاتَتْ وَلَمْ تُخَلِّفْ بَدَلًا فَسَقَطَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَفِعْلُ الْآدَمِيِّ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْبَاقِيَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي هَلَكَتْ وَتَبَيَّنَ أَنَّ مِلْكَهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَدَفَعَ الْقَاتِلُ بِالْمَقْتُولِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ فَاتَ وَأَخْلَفَ بَدَلًا فَيَبْقَى الْعَبْدُ بِبَقَاءِ الْبَدَلِ؛ فَلِهَذَا أَخَذَ الْبَاقِيَةَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَثُبُوتُ الْخِيَارِ لَهُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الثَّمَنِ فَذَلِكَ اشْتِرَاطٌ مِنْهُ لِلْخِيَارِ فِي الْجَارِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا دَفَعَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَدْفَعْ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِفَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ لَا لِتَنْعَدِمَ صِفَةُ اللُّزُومِ بِهِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا فِي الْآخَرِ ضَرُورَةً وَتَقْرِيرُ كَلَامِهِ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ رَضِيتَ أُسَلِّمْ لَكَ الثَّمَنَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَلَّمْت وَإِنْ شِئْتَ أَخَذْتَ الثَّمَنَ وَلَمْ أُسَلِّمْهُ لَك، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ شَرْطًا لِلْخِيَارِ فِي الْعِوَضَيْنِ.
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ كُلَّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيَرُدَّ الْآخَرَ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْبَائِعِ فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لِلْمُشْتَرِي فِيهِمَا وَاَلَّذِي هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَيَبْقَى هُوَ عَلَى خِيَارِهِ فِي الْبَاقِي، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ حُكْمًا كَمَا قَبَضَهُ فَيَتَعَيَّنُ الْبَيْعُ فِيهِ، ثُمَّ يَهْلِكُ عَلَى مِلْكِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ تَعَيُّنِ الرَّدِّ فِي الْآخَرِ، وَلَوْ حَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَزِمَهُ الَّذِي حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ كَمَا قَبَضَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ بِهِمَا فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ يَلْزَمُهُ أَيُّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ وَيَرُدُّ الْآخَرَ فَهَذَا وَخِيَارُ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ وَالْقِيَاسُ فِيهَا أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ فَإِنْ قَبَضَهُمَا الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا عِنْدَهُ فَهُوَ أَمِينٌ فِيمَا هَلَكَ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ لَزِمَهُ الْبَاقِي بِعَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ أَحَدَهُمَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَالْآخَرُ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ فَكَانَ أَمِينًا فِيمَا قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ لَا عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ هَهُنَا فِي الْهَالِكِ لَمْ يَتَعَيَّنْ بَلْ تَعَيَّنَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةً.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْبَائِعَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ الْهَالِكُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْبَيْعِ فِيهِ كَإِنْشَاءِ الْبَيْعِ وَإِنْشَاءُ الْبَيْعِ فِي الْهَالِكِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَذَلِكَ تَعَيُّنُ الْبَيْعِ فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ مُتَعَيَّنٌ فِي الْبَاقِي فَالْبَائِعُ فِيهِ بِالْخِيَارِ ثَبَتَ بِعَيْنِ الْأَمَانَةِ فِي الْهَالِكِ، وَلَوْ لَمْ يَهْلَكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَكِنْ حَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَانَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي إسْقَاطِ خِيَارِ الْبَائِعِ فَالْمَعِيبُ مَحَلُّ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَالتَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْهَالِكِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْبَائِعُ عَلَى خِيَارِهِ يَلْزَمُهُ أَيُّهُمَا شَاءَ فَإِنْ نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهِمَا أَخَذَهُمَا وَنِصْفَ قِيمَةِ الْمَعِيبِ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَعِيبَ كَانَ مُتَرَدَّدَ الْحَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِ الْعَقْدِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً بِاعْتِبَارِ تَعَيُّنِ الْبَيْعِ فِي الْآخَرِ وَبِحُدُوثِ الْعَيْبِ فَاتَ جُزْءٌ مِنْهُ فَيَتَنَصَّفُ ضَمَانُ ذَلِكَ الْجُزْءِ بِاعْتِبَارِ التَّرَدُّدِ فِيهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ أَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ الصَّفْقَةَ فِيهِ كَانَ فَوَاتُ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَوْ لَزِمَهُ فِي الْآخَرِ كَانَ فَوَاتُ ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى الْبَائِعِ فَإِذَا نَقَضَ الْبَيْعَ فِيهِمَا كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي نِصْفُ قِيمَةِ الْمَعِيبِ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَأْخُذُ مِنْ قِيمَةِ الْمَعِيبِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الْجُزْءِ مُعْتَبَرٌ بِفَوَاتِ الْكُلِّ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ مِنْ قِيمَتِهِ شَيْئًا لِلْبَائِعِ وَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ الْعَقْدَ فِي الْآخَرِ فَكَذَلِكَ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ، وَلَوْ هَلَكَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ عِنْدَ الْبَائِعِ كَانَ لَهُ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ فِي الْبَاقِي وَإِنْ شَاءَ نَقَضَهُ؛ لِأَنَّ الْهَالِكَ خَرَجَ مِنْ الْعَقْدِ فَيَبْقَى خِيَارُ الْبَائِعِ فِي الْبَاقِي كَمَا كَانَ، وَلَوْ لَمْ يَهْلِكْ وَحَدَثَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ فَإِنْ اخْتَارَ إلْزَامَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمَعِيبَ كَانَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا عَيَّنَ الْعَقْدَ فِيهِ الْتَحَقَ بِمَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ مُتَعَيِّنًا فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَدْ تَعَيَّبَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ وَإِذَا رَدَّهُ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُلْزِمَهُ الْآخَرَ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهُ الْعَيْبَ فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْعَقْدِ عَنْ الْآخَرِ ضَرُورَةً فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ بَعْدَ مَا انْتَفَى الْعَقْدُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِذَا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْحُرِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشَّرْطُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَهُوَ غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَبَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا وَنَقَدَ الثَّمَنَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَلَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا نَفَذَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا وَالْبَيْعُ تَامٌّ لَازِمٌ مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ فَإِنْ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْجَارِيَةِ، وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ بَيْعِهِ فِيهَا سُقُوطَ خِيَارِهِ؛ وَلِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ إيفَاءِ الثَّمَنِ فِي آخَرِ جُزْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِمَنْزِلَةِ فَسْخِ الْبَيْعِ مِنْهُ، وَفَسْخُهُ لِلْبَيْعِ فِيهَا بَعْدَ مَا بَاعَهَا بَاطِلٌ فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ، وَالْجَارِيَةُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهَا.
وَلَكِنَّهُ يَتَّبِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ بِالثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ مَاتَتْ فِي يَدِهِ أَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيٌّ آخَرُ حَتَّى غَرِمَ قِيمَتَهَا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ يَكُونُ مُسْقِطًا خِيَارَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ مَحَلِّ الْفَسْخِ، وَهَذَا فِي الْمَوْتِ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ فِي قَتْلِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْقَاتِلِ لِأَجْلِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَالْعَقْدُ فِيهَا فَلَا يَنْتَهِي بِالْقَبْضِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْعَقْدُ إلَى مِلْكِ الْقِيمَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ، وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْقَاتِلِ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ الْفَسْخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ.
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ جَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً أَوْ أَصَابَهَا عَيْبٌ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُشْتَرِي مِنْ نَقْصِ الثَّمَنِ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فَسْخٌ مِنْهُ لِلْبَيْعِ، وَلَوْ فُسِخَ الْبَيْعُ قَصْدًا تَخَيَّرَ الْبَائِعُ لِحُدُوثِ مَا حَدَثَ فِيهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ، وَلَوْ كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ الْجَانِي أَجْنَبِيًّا فَوَجَبَ الْعُقْرُ أَوْ الْأَرْشُ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْجَارِيَةِ سَبِيلٌ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي الْمُشْتَرِي فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ.
وَإِنَّمَا لَهُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَ حَدَثَ فِيهَا عَيْبٌ مِنْ فِعْلِ الْجَانِي الْأَجْنَبِيِّ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْجَارِيَةَ، وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِمُوجَبِ مَا أَحْدَثَهُ فِيهَا مِنْ وَطْءٍ أَوْ جِنَايَةٍ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَإِنْ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَّبِعَ الْأَجْنَبِيَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فَبَقِيَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَضْمُونَةً بَعْدَ الْفَسْخِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إذَا حَدَثَ فِيهَا بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُنَاكَ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالزِّيَادَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ فِيهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْفَسْخِ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ.
وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَجْنَبِيُّ وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ حَتَّى تَمَكَّنَ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا بِالْوَطْءِ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ أَخَذَهَا الْبَائِعُ، وَأَخَذَ عُقْرَهَا مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ بِاعْتِبَارِ النُّقْصَانِ فِي الْمَالِيَّةِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ، وَقَالَ: لِلْبَائِعِ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ كَالْجِنَايَةِ، وَالْمُسْتَوْفِي بِالْوَطْءِ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَقِيلَ فِي تَخْرِيجِهِ: إنَّ قِيَاسَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ كَانَ هُوَ الْوَاطِئُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَلَمْ يَتَخَيَّرْ الْبَائِعُ فَإِذَا كَانَ الْوَاطِئُ أَجْنَبِيًّا فَوَجَبَ الْعُقْرُ، وَتَمَكُّنَ الْبَائِعِ مِنْ أَخْذِهَا مَعَ الْعَقْدِ أَوْلَى أَنْ لَا يُثْبِتَ لَهُ الْخِيَارَ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَبِيعَةِ إذَا وَطِئَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يَتَخَيَّرْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي مَعَ عُقْرِهَا وَلَمْ يَتَخَيَّرْ فَكَذَلِكَ الْبَائِعُ فِي هَذَا الْفَصْلِ.
وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي قَطَعَ يَدَ الْجَارِيَةِ أَوْ افْتَضَّهَا، وَهِيَ بِكْرٌ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَنِصْفَ ثَمَنِهَا فِي الْقَطْعِ؛ لِتَغَيُّرِ الْجَارِيَةِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْفَسْخِ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالتَّنَاوُلِ مَقْصُودَةً فَيَتَقَرَّرُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْيَدِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنَايَةٍ جَنَى عَلَيْهَا أَخَذَ نُقْصَانَهَا مِنْ الثَّمَنِ إذَا اخْتَارَ الْبَائِعُ أَخْذَهَا، وَإِنْ كَانَ افْتَضَّهَا لَمْ يُنْظَرْ إلَى عُقْرِهَا، وَلَكِنْ يُنْظَرُ إلَى مَا نَقَصَهَا الْوَطْءُ مِنْ قِيمَتِهَا فَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُنْظَرُ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ عُقْرِهَا وَمِمَّا نَقَصَ الْوَطْءُ مِنْ قِيمَتِهَا فَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةُ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ شَيْئًا أَخَذَهَا الْبَائِعُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْوَطْءِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقَسَّمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهَا، وَعَلَى عُقْرِهَا فَيَأْخُذُهَا الْبَائِعُ، وَحِصَّةَ الْعُقْرِ مِنْ ثَمَنِهَا.
وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَائِعِ إذَا وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ فَحَالُ الْمُشْتَرِي هَهُنَا بَعْدَ الْفَسْخِ كَحَالِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ هُنَاكَ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الرَّدِّ كَانَ هَلَاكُهَا عَلَى مِلْكِهِ كَمَا فِي الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَسْتَوِي تَخْرِيجُ الْفَصْلَيْنِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا، وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ وَلَدًا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ، وَهُمَا حَيَّانِ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ فَالْجَارِيَةُ وَوَلَدُهَا لِلْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ، وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَجْلِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْفَسْخِ، وَلَوْ لَمْ تَلِدْ، وَلَكِنَّهَا قَدْ ازْدَادَتْ فِي يَدِهِ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِزِيَادَتِهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ لَا مُعْتَبَرَ بِهَا فِي الْبَيْعِ، وَلَا يُمْنَعُ الْفَسْخُ؛ لِأَجْلِهَا كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ هُنَا كَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا مِنْ اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْفَسْخِ بِسَبَبِ التَّحَالُفِ، وَفِي الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ، وَنَقَّصَتْهَا الْوِلَادَةُ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ لِلنُّقْصَانِ الْحَادِثِ فِيهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ تَعَيَّبَتْ بِعَيْبٍ آخَرَ.
وَهَذَا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا، وَتَأْثِيرُ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا فِي تَعَذُّرِ الرَّدِّ بِهِ، وَلَوْ مَاتَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ تَلِدْ فَعَلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ، وَإِنْ انْفَسَخَ فَقَدْ تَعَيَّبَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا هَلَكَتْ بَطَلَ ذَلِكَ الْفَسْخُ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَلَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ مَاتَتْ وَبَقِيَ وَلَدُهَا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ الْوَلَدَ لِلْمُشْتَرِي وَأَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْوَلَدَ وَرَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحِصَّةِ الْأُمِّ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمَّا صَارَ مَقْصُودًا بِالِاسْتِرْدَادِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعَةِ إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ، وَبَقِيَ الْوَلَدُ فَكَمَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي هُنَاكَ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ هُنَا.
وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْجَارِيَةَ بِعَرْضٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعْطِ الْبَائِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنْ حَدَثَ بِالْجَارِيَةِ عَيْبٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ وَطِئَهَا، وَهِيَ بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ ثُمَّ مَضَتْ الْأَيَّامُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْبَائِعُ فَهَذَا وَمَا وَصَفْنَا مِنْ الدَّرَاهِمِ سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنَى.
وَلَوْ مَضَتْ الْأَيَّامُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مَا شَرَطَهُ ثُمَّ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَوَقَتَلَهَا كَانَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى ثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ، وَهَلَاكُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمُقَابَضَةِ بَعْدَ الْفَسْخِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْفَسْخِ؛ لِبَقَاءِ الْعَرْضِ الْآخَرِ، وَإِذَا بَقِيَ الْفَسْخُ تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ عَيْنِهَا فَيَرُدُّ قِيمَتَهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ، وَلَوْ ذَهَبَتْ عَيْنُهَا أَوْ فَقَأَهَا الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ، وَنِصْفَ قِيمَتِهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مِنْ الْآدَمِيِّ نِصْفُهُ فَفَوَاتُ نِصْفِهَا بَعْدَ الْفَسْخِ مُعْتَبَرٌ بِفَوَاتِ كُلِّهَا، وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيٌّ فَقَأَ عَيْنَهَا أَوْ قَتَلَهَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهَا فِي الْقَتْلِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ.
فَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهَا عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْفَسْخِ مَمْلُوكَةٌ لِلْبَائِعِ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبَةِ، وَأَمَّا فِي فَقْءِ الْعَيْنِ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ الْجَارِيَةَ وَيَتَّبِعُ بِأَرْشِ الْعَيْنِ الْمُشْتَرِيَ أَوْ الْجَانِيَ أَيَّهُمَا شَاءَ حَالًّا كَمَا فِي الْمَغْصُوبَةِ إذَا فَقَأَ إنْسَانٌ عَيْنَهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي، وَلَا سَبِيلَ لِلْبَائِعِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ ذَلِكَ إلَّا بِفَسْخِ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَبَقَاءُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ حُدُوثُ هَذِهِ الْمَعَانِي قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْعَقْدَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا حِينَ حَدَثَ مَا حَدَثَ، وَمُضِيُّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ بِمَنْزِلَةِ الْفَسْخِ مِنْ الْمُشْتَرِي قَصْدًا، وَفَسْخُهُ بَعْدَ مَا تَعَيَّبَ فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ مُلْزِمًا لِلْبَائِعِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَعَ الْفَرْقُ.
وَلَوْ بَاعَ الْمَأْذُونُ أَوْ الْحُرُّ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَقَابَضَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إنْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَطِئَ الْجَارِيَةَ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ رَدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جَارِيَتَهُ، وَيُضَمِّنَ الْمُشْتَرِيَ بِالْوَطْءِ عُقْرَهَا، وَفِي الْفَقْءِ نِصْفَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الْبَائِعِ، وَالْمَبِيعَةُ قَائِمَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فِي يَدِهِ عَلَى خِيَارِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ مِلْكُهُ بِفَسْخِ الْبَيْعِ ظَهَرَ أَنَّ جِنَايَةَ الْمُشْتَرِي وَوَطْأَهُ حَصَلَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ، وَإِنْ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ تَمَّ الْبَيْعُ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْعُقْرِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْبَائِعِ إذَا سَقَطَ مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِزِيَادَتِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ وَالْأَرْشُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا، وَلَوْ كَانَ أَجْنَبِيٌّ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَخَذَ جَارِيَتَهُ، وَنِصْفَ قِيمَتِهَا فَفِي فَقْءِ الْعَيْنِ إنْ شَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْفَاقِئِ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ الْفَاقِئِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْبَائِعِ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَالْمَغْصُوبَةِ.
وَفِي الْوَطْءِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ يُنْقِصُ مَالِيَّتَهَا، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَنْقُصْهَا الْوَطْءُ أَخَذَهَا الْبَائِعُ، وَاتَّبَعَ الْوَاطِئَ بِعُقْرِهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَى الْمُشْتَرِي مَالِيَّتُهَا، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا بِهَذَا الْوَطْءِ، وَهِيَ كَالْمَغْصُوبَةِ إذَا وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَهِيَ ثَيِّبٌ، وَلَوْ لَمْ يَرُدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ تَمَّ الْبَيْعُ، وَاتَّبَعَ الْمُشْتَرِي الْفَاقِئَ أَوْ الْوَاطِئَ بِالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ.
لِأَنَّهُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ مِلْكُهَا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ بِزَوَائِدِهَا الْمُنْفَصِلَةِ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي وَطِئَهَا وَفَقَأَ عَيْنَهَا فَقَدْ انْتَقَضَ الْبَيْعُ رَدَّ الثَّمَنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَرُدَّ، وَيَأْخُذُ جَارِيَتَهُ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ تَقْرِيرٌ لِمِلْكِهِ حِينَ عَجَزَ نَفْسُهُ عَنْ تَسْلِيمِهَا كَمَا بَاعَهَا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ، وَلَمْ يَرُدَّ الثَّمَنَ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الثَّلَاثِ تَمَّ الْبَيْعُ وَتَأَكَّدَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي بِكَوْنِهَا فِي يَدِهِ فَفِعْلُ الْبَائِعِ فِيهَا كَفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُهُ عَقْرُهَا، وَأَرْشُهَا لِلْمُشْتَرِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.